قصه رحله الانام بقلم منال سالم
بالعاصمة المصرية الفتوى اللازمة لحالة الطلاق الخاصة بوضعه وجاءت بأن طلاق عاقر الخمر لا يقع عند بعض جمهور العلماء لكونه في غير وعيه ومع ذلك أصر على إتمام إجراءات الانفصال بشكل رسمي ليقطع عليها الطريق للعودة إلى عصمته. أتى قراره المفاجئ بعد لقائه غير المرتب بهذه الحسناء الثرية ابنة شريك العمل الجديد. استحضر في ذهنه كيف جرت تفاصيله وكأنها حدثت بالأمس.
تغنجت شابة ظهرت من العدم وكأن السماء لفظت إحدى حورياتها الفاتنات لتمشي في تفاخر ودلال بثوبها القصير الأزرق المتطاير أطرافه مع نسمات الهواء تلقائيا تعلقت أنظاره بها فبدا وكأنه لم يعد يرى سواها أسرت عيناه وجعلته غير قادر على إبعادهما عن طلتها البهية خفق قلبه خفقة عجيبة موترة عندما وجدها تدنو من المائدة الجالس عليها بصحبة والده وضيوفه انقلبت سحنته للعبوس وهي تنحني في رقة نحو السيد شوقي بعدما حاوطته من كتفيه لتطبع قبلة رقيقة على وجنته وهي تسأله
شعر وكأن موجة من نيران الغيرة ټضرب داخله اجتهد لئلا يظهر تأثير ذلك عليه وكيف يحدث له هذا وهو يلقاها للمرة الأولى تركز سمعه مع ضيفه الذي خاطبها بمحبة ضاعفت من إحساسه بالحق
شوية وهكون معاكي يا حبيبتي.
نظرة خاطفة سددتها الشابة نحو مهاب ليشعر بتبدل عالمه الرتيب لآخر غريب ومقلق. ودعته الشابة المتدللة في نعومة تليق بها بعدما نفضت شعرها الفاحم المسترسل في الهواء ليغمره كوشاح من الحرير
أوكي سلام.
بالكاد تمكن مهاب من إبعاد ناظريه عنها بعدما اختفت عن الأنظار ثم أجلى أحبال صوته وتساءل في صوت شبه متحفز وخشن
أجابه في زهو وهو يرمقه بهذه النظرة الغامضة
دي بنتي الوحيدة ناريمان.
أثلجت الحقيقة صدره وجعلت هذه التشنجات التي انعكست على ملامحه تختفي دفعة واحدة استحثه فضوله على التعليق بنزق
أنا أول مرة أشوفها!
أخبره كنوع من التصريح
هي طول عمرها عايشة مع والدتها برا وبتنزل في الأجازات عندي بس حقيقي هي مربياها على الأصول والتقاليد الملكية.
جاء تعقيبه مصحوبا بابتسامة متشوقة
واضح عليها فعلا.
تابع شوقي كلامه مؤكدا في تلميح متوار
وكل العز اللي أنا فيه هسيبه ليها بحيث ماتحتاجش لحاجة من بعدي.
هنا تساءل مهاب في شيء من الاندفاع
حينئذ نظر له فؤاد بنظرة صارمة وكأنه يحذره من إفساد مسألة الشراكة بالخوض في نزوة لاهية ومع ذلك لم ينطق بكلمة بينما استمر شوقي في الحديث فأضاف
ناريمان آخر حاجة بتفكر فيها الخطوبة أو الجواز...
ثم أطلق ضحكة مصطنعة قبل أن يتابع
وبصراحة كده أنا اللي مشجعها على ده مش لاقي الشخص المناسب اللي يستاهلها فسايبها تعيش حياتها بالطول وبالعرض.
استغل مهاب الفرصة ليعقب بمكر يجيده
هي زي الأميرات تستاهل الأفضل ومش أي حد
وصل إليه مدلوله العابث فحذره
إنت هتعاكس بنتي قصادي ولا إيه يا مهاب
في التو استعمل أسلوبه المتمرس الخبير وقال ممازحا
قهقه شوقي ضاحكا على ما اعتبرها طرفة في حين استمر مهاب في كلامه باسما
في المسائل دي مابيتساهلش!
حمحم فؤاد مستطردا
خلونا نرجع للشغل تاني.
لحظات واستفاق مهاب من الذكرى غير البعيدة عنه وقد لاحت ابتسامة راقية على وجهه سرعان ما تدارك وجودها وأخفاها ببراعة وراء ملامح الجدية ليخاطب رفيقه مشددا
أنا مش عاوز شوشرة في الحكاية دي ماتنساش أنا ليا لي سمعتي هنا.
ضحك ممدوح هازئا وقال بشفاه ملتوية كأنما يسخر منه
طبعا وأنا سيد من يداري عليك.
ترك مهاب كأسه مؤكدا في صوت هادئ
وزي ما وعدتك هظبطك.
رد عليه مظهرا عدم ممانعته
اتفقنا.
نهض من جواره
وتحرك
بعدئذ تجاه باب غرفة مكتبه ليدير برأسه قائلا
هسيبك تكمل كاسك وهطلع أبلغ المدام بالقرار.
أشار له بكأسه هاتفا ببرود مستمتع
خد راحتك.
اختفى مهاب وبقيت نظرات ممدوح على أثره ليقول باسترخاء شديد وهو يفرد ذراعه على حافة الأريكة متمتعا بالدور الجديد الذي منح له
ما أنا بقيت في بيتي خلاص!
لاقيت حل لمشكلتنا بس مش عاوز اعتراض.
دون تفكير انطلق لسانها يخبره وهي تهز رأسها بإيماءات موافقة
أنا جاهزة لأي حاجة طالما مش هبعد عن ابني.
ظل يتفرس وجهها مليا ليخبرها على مهل كأنما يراقب ردة فعلها
إنتي.. هتتجوزي ممدوح!
برزت عيناها واتسعتا في صدمة كبيرة قبل أن تردد بصوت ذاهل وملامح أكثر اندهاشا
إيه ممدوح مين
ابتسم في سخط وعلق بتهكم
هو في غيره صاحبي!
انقبض قلبها بقوة كما شعرت بالخدر يصيب تفكيرها فراحت تردد بلا استيعاب
إزاي الكلام ده معقولة أنا وآ...
رفضت تقبل الفكرة برمتها وصاحت مستنكرة لجوئه لهذا الأمر
لأ ما ينفعش!! استحالة طبعا!!
زفر الهواء عاليا وقال بتصميم
مافيش قدامي إلا هو عشان أعرف أردك من تاني.
سلطت نظراتها المستهجنة عليه وخاطبته في عتاب مصډوم
مهاب.. إزاي تقبل بكده
قال بهدوء
فترة بسيطة لحد ما نرجع لوضعنا.
مجددا اعترضت بعناد على اقتراحه الصاډم
بس آ...
قاطعها قبل أن تتم جملتها مستخدما لهجة الإنذار
أنا قولت مش عاوز اعتراض وإلا إنتي عارفة النهاية.
أولاها ظهره وتركها في الغرفة تتخبط في أفكارها فاڼهارت جالسة على أقرب مقعد متسائلة في غير تصديق وبتحير مشوب بالخۏف والارتياع
طب تيجي إزاي!!
زادته هما على هم بعدما ملأت رأسه وعبأتها بكلامها المسمۏم عن زوجة شقيقه تلك التي أفسدت الود بين أفراد العائلة وزرعت القطيعة والخصام بين الأرحام فما كان منه إلا أن استجاب بعد وسوسة وإلحاح لخطتها الجهنمية لتخليص شقيقه المسكين ممن اعتبرتها الأفعى الخبيثة. هبط بدري من الحافلة التي قطعت مسافة طويلة من بلدته ليصل إلى حيث يقطن شقيقه وحديث والدته يرن في أذنه
هي اللي بوظت حياتنا وجابت لنا النحس والهم.
آنئذ رد عليها متعللا
بس يامه هما اللي استغنوا عن خدماتي وآ...
قاطعته في حدة
وده حصل إزاي ما هو بسببها يا ضنايا!!
نظر لها وهو مقطب الجبين فأكملت على نفس النهج اللئيم
ناس حبايبي قالولي إنها عملتلك عمل تخرب به حياتك وتخسرك كل حاجة.
سألته في خبث لتضمن ملء نفسه بالمزيد من الكراهية والأحقاد تجاهها فتضمن بذلك انصياعه التام لها
قولي إنت شوفت من إمتى الراحة والهنا من بعد معرفتها الشوم!!!
تحديث إليه في غير رأفة
لو سمعت كلامي ونفذته بالحرف صدقني هنرتاح كلنا منها والدنيا هترجع تضحكلك.
قال بتردد
بس ده حرام وآ...
أسكتته بصياحها
وحلال اللي إنت فيه ده لا شغلة ولا مشغلة ولا جواز ولا عيال ولا أي نصيبة خالص!!
لاذ بالصمت مجبرا فاستمرت في إحراقه بنيران كلامها
وأخوك عمره ما هيسمع كلامي هيركبها علينا كلنا ويدلدلها فوق رقابنا بكرة نلاقيها جاية واخدة اللي فاضلنا من ملكنا وتقعد وتتربع!
عكست تعابيره حينها شړا متعاظما فابتسمت وهي تزيد من وسوستها الخبيثة إليه
اعمل بس اللي قولتلك عليه وأنا في ضهرك مش هسيبك
عاد إلى واقعه وهو يسرع في خطواته ليعبر الطريق استجاب لما دعته إليه والدته وشرع في تنفيذ ما أملته عليه كان يعلم جيدا أن شقيقه لا يتواجد نهارا
ببيته وينشغل
بالعمل ويتشاغل بالبحث عن مصادر الرزق لذا كانت هذه فرصته المناسبة للذهاب إلى زوجته والانفراد بها ليقوم بالجزء الأخطر ألا وهو تلويث سمعتها بالأكاذيب الباطلة المتعلقة بالشرف والعرض فيظن أنها قد قامت باستدعائه في الخفاء لتستمر معه في علاقتها غير الشريفة به فينهي زيجتهما للأبد غير مكترث بالضرر الذي قد يلحق بها ويدمرها كليا.
لحظة غادرة لم ينتبه فيها إلى أين يضع قدمه خاصة مع الزحام الشديد فتجمد في موضعه عندما رأى هذه الشاحنة الضخمة تقترب منه استوعب الخطړ وتداركه وحاول تفادي سائقها الأرعن كاد أن ينجح في النجاة ببدنه لولا أن لحقت سيارة أخرى به لم يرها مطلقا وكأن القدر قد أعمى بصره فصډمته في قساوة ودهست ساقيه لينطرح على الأسفلت القاسې وهو ېنزف دما غزيرا وصوت صراخه يجلجل في الأنحاء.
بعد أن وصلت إليه الأخبار السيئة اصطحب زوجته واتجه في الحال إلى المشفى شبه الاستثماري ليتفقد أحوال شقيقه الأصغر اعتصر الألم قلبه وبكاه بكاء مريرا خاصة حينما علم بسوء وضعه الصحي. انزوى عوض في ركن من ردهة المشفى وجلس القرفصاء ثم رفع وجهه المهموم للسماء ليتضرع إلى المولى بكل أمل ورجاء أن ينظر إليه بعين الرحمة وينجيه مما هو فيه. تأملته فردوس بإشفاق كانت تشاركه حزنه وألمه وربما أكثر من ذلك بقليل فلم تنس أنه أول شخص يخفق فؤادها إليه وإن تسبب في تهشيم روحها وإيذائها نفسيا لكنها كانت على استعداد كامل لمسامحته والعفو عما ارتكبه في حقها من أجل أن تراه بخير.
نهضت واقفة عندما جاءت إحدى الممرضات تسأل عن أقارب المصاپ نادت في الحال على زوجها بصوت مرتفع ومذعور
تعالى يا عوض الدكتور عاوزك.
استعان زوجها بمرفقيه ليستند على الحائط ويقوم واقفا كانت قدماه لا تسعفاه ليسير فتعثر في مشيه المتخبط إلى أن بلغها فسألها بنبرته اللاهثة
أخويا كويس
ردت عليه بحذر ووجهه يظهر تعبيرا رسميا عليه
اطمن احنا عملنا كل حاجة نقدر عليها بس إنت هتعرف أكتر عن حالته من الدكتور هو مستنيك في مكتبه.
اندهشت فردوس لعزوف الطبيب عن مقابلتهما وتساءلت في انزعاج مستنكر
وهو مطلعش يكلمنا بنفسه ليه
هزت كتفيها قائلة بوجوم
معرفش.
سألها عوض بتلهف ملتاع
أخويا فين دلوقتي
التفتت ناظرة إليه وهي تجيبه
في العناية المشددة ومن فضلك متعطلنيش الدكتور منتظرك هناك.
ثم أشارت إلى بقعة بعينها حيث تتواجد بها غرف الأطباء ودلتهما على الطريق لتتركهما بعدئذ وترحل. أمسك عوض بذراع زوجته جذبه منها وانطلق إلى حيث أرشدتهما قائلا في قلق متصاعد
بينا يا فردوس نفهم في إيه.
سارت معه وهي تضع قبضتها على صدرها تتحسس نبضاته المتسارعة لتتمتم بصوت خفيض
استر يا رب.
أمام السرير الممدد عليه شقيقه الموصول بأجهزة طبية وقف عوض يتطلع إليه بحسرة وحزن فالطبيب أعلمه بمدى الضرر الجسيم الذي وقع عليه خاصة نصفه السفلي وجعله قاب قوسين أو أدنى من المۏت وإن نجا منه بعد إجراءات عمليات جراحية هامة فسيصبح عاجزا حتى يفنى عمره المؤسف في ذلك الأمر أنه لا يملك من المال ما يساعده على سداد تكلفة هذه الجراحات الضرورية كان فقيرا معدما لا يملك إلا قوت يومه فكيف له أن يؤمن هذا الكم الطائل من الأموال لإنقاذه بكى في أسى وۏجع غير مكترث بمن يبصره على هذه الحالة المفطورة من خلفه وقفت فردوس تتأمل حالة بدري بحزن عميق لم تتوقع أن يحز في نفسها بشدة رؤيته هكذا لا حول له ولا قوة! تركت هي الأخرى العنان لدموعها الصامتة تنساب وأصغت إلى همهمة
زوجها المكلوم وهو يرثي
حاله البائس
يا ريتني أملك حاجة ياخويا وأنا مأخرهاش عنك.
لم تفكر فردوس