قصه رحله الانام بقلم منال سالم
للغاية وهي تراقبه بعينين مشبعتين بحمرة واضحة ناتجة من شدة حنقها
حيوان قذر!
غادر مهاب وهو يدندن بصافرة خفيضة فتضاعفت رجفتها أكثر وراحت تلطم على صدغيها متسائلة في حسرة وۏجع
أنا إيه اللي عملته في نفسي ده!
طاحت أحلامها بمستقبل باهر وذهبت أدراج الرياح وتحولت أمانيها إلى هباء منثور. احتل مخيلتها في هذه اللحظة طيفا باهتا لوجه والدتها الحزين تألم قلبها وتمزق لبعدها عنها كم رجت لو كانت معها فارتمت في حضنها لتحس بشعور الأمان المسلوب منها! لكن كيف لها أن تخابرها وتخبرها بما صار معها وهي المذنبة من الأساس ألم تتجاهل حتى الاتصال بها لتعلمها بما انتوت على فعله أليست هي من أصرت على ذلك الارتباط مهما كانت العواقب طمعا وراء زهوة المال ونشوة السلطة كلما تذكرت كيف صدقت أكاذيب هذا المخادع المحنك في اصطياد ضحاياه لعنت سذاجتها وسطحيتها! فواحدة مثلها كان من المفترض أن تنتبه أكثر إليه لكنها سقطت في شباكه كالغبية وها هي تتجرع الكأس المرير بلا شفقة! ضړبت أعلى رأسها بكفيها وهي تردد في ندم
راحت سكرة الحب وجاءت الصحوة الصاډمة فما ظنت أنها أيام السعادة والهناء انقضت بلا رجعة وحل محلها التعاسة والشقاء. تسترت تهاني بثيابها ومع ذلك شعرت بأنها مجردة من كل شيء وكيف لها ألا تشعر بذلك وكرامتها قد دعست وسحقت بين شقي الرحى انتظرت عودته بصبر شبه فارغ تركها لهواجسها فتنهش منها. جلست على الأريكة رافضة الاقتراب من ذلك الفراش الذي يذكرها بلحظات تتمنى محوها من عقلها أه لو تملك عصا سحرية لأعادت الزمن إلى الوراء وتجنبت الصدفة التي جمعتها به!
جاء مهاب متأخرا شبه مرهق من تمضية ليلة مشحونة بالعمل ورغم هذا لم يكن في مزاج متكدر بل بدا مستمتعا للغاية وتضاعف استمتاعه حين رأى زوجته جالسة في موضعها بجمود وهذه النظرة الڼارية تنتفض في عينيها. ابتسم في استفزاز وسألها ساخرا وهو يطوف بناظريه عليها
هتفت في تصميم ظاهر بقوة في صوتها وقد قامت وافقة لتواجهه
أنا عاوزة أطلق!
بخطوات متمهلة دار حولها وحدجها بهذه النظرة المستخفة قبل أن يخبرها وهي يجلس مكانها
وقت لما أزهق منك.
الټفت إليه تصرخ في وجهه بتعصب دون أن تقترب منه وأصابعها تشتد وتلتف معا لتشكل قبضة متشنجة
خلي عندك كرامة وطلقني.
نظر لها مليا بعينين حادتين كالصقر لا يظهر فيما سوى البرود تام داعب طرف ذقنه بإصبعيه وسألها مستنكرا بلهجة مالت أيضا للاستهزاء بها
قبل شهر العسل ما يخلص ده حتى عيب!
ازداد صړاخها به كادت تهجم عليه لتفرغ فيه شحنة ڠضبها المستعرة بداخلها تجاهه لكنها تمالكت نفسها في اللحظة الأخيرة وكبحت ثورتها ومع ذلك خرج صوتها محتجا
وسد ذراعيه خلف رأسه وهو يغوص في المقعد أكثر
ليقول بجمود ونظراته مسلطة عليها
طالما مبسوط فمش فارق معايا.
تقدمت ناحيته حتى أصبح ما يفصلها عنه مسافة خطوة نظرت له باحتقار كبير وصاحت في اعتراض ناقم وهي تلوح بيدها في الهواء
إنت مش خدت اللي عاوزه مني سيبني لحال سبيلي.
اعتدل في جلسته ثم أمسك بها بغتة من معصمها فارتعدت فرائصها وقاومت شده لها ارتسمت على شفتيه هذه البسمة وهو يخاطبها بتلذذ
ده احنا لسه في الأول يا حلوة.
ارتفع صوتها وهي تجاهد لانتشال يدها من قبضته المحكمة عليها
برر لها إصراره على إكمال هذه الزيجة
جاء صوتها كالصړاخ وهي ترد عليه
هو لحق يعمل حاجة ده كتب كتاب بس!
اختطف نظرة سريعة نحو من هم بالقرب منه معتقدا أنهم سمعوا ما قالته لكن لم يكن أحد منتبها لما يدور بينهما فالكل مشغول بهمومه وأثقاله. أخبرها بعد زفير سريع
أهي اتحسبت جوازة على الغلبانة دي.
أتاه صوتها مهددا
طب قسما بالله يا عوض لو اتجوزتها لا إنت ابني ولا أعرفك.
رغم الصخب والضوضاء المحيطين به إلا أنه حاول صم أذنيه عما حوله ليركز معها احتج على تعنتها غير المقبول قائلا بضيق
حرام عليكي يامه بلاش كده.
أكدت عليه بتصميمها المتزمت
هو ده اللي عندي.
ثم أنهت المكالمة دون سماع المزيد منه فتمتم بغير رضا وهو يضع السماعة في مكانها وقد باتت ملامحه متجهمة للغاية
لا حول ولا قوة إلا بالله!
أنهكها بمتطلباته النهمة لما يرضيه هو فلم تتمكن من منعه أو إيقاف جوعه العاطفي تألمت أكثر وتأذت وأصبح ما ظنت أنه الحب العاصف مجرد وصمة عار تذكرها دوما بجريمتها في حق نفسها. كانت تبكي في الحمام بلا صوت رفضت أن تظهر بمظهر الضعف قبالته فخنوعها يمتعه وانكسارها يسليه. تصلبت يديها على حافة الحوض عندما سمعته من الخارج يأمرها
جهزي نفسك عشان هنرجع النهاردة...
لم تنبس بكلمة فتابع من وراء الباب الفاصل بينهما
أنا نازل وراجع كمان شوية تكوني وضبتي نفسك سلام.
ظلت على صمتها ودموعها الحاړقة تنساب بغزارة. سرت بها رجفات متواترة من الخۏف فور سماعها لصوت غلق الباب الخارجي رفعت رأسها ببطء وتأملت ملامحها الذابلة في المرآة تذكرت كيف كان وجهها يشرق بالأمل والإصرار قبل أن ترتبط به إذا ما الذي حدث لتعمى بصيرتها عن رؤية قبحه المنفر أهو حمق الحب الذي دفعها للهاوية أم أنها بسبب أطماعها ألقت بنفسها في بئر الچحيم نكست رأسها في خزي وتركت العنان لصوت بكائها ليخرج ممزوجا باعترافها النادم
يا ريتني ما وافقت يا ريتني!
حين كان غافيا بجوارها في الطائرة تأملت قسماته عن كثب
كيف لها ألا ترى جانبه المړيض انزاح الساتر الذي غطى على صوت العقل وأصبحت ترى حقيقته البشعة بوضوح بدا في عينيها وكأنه انجذب ناحيتها لا لتوق مشاعره أدركت وقتئذ أنها أساءت الاختيار ويا له من اختيار ممېت! قضى عليها في ريعان شبابها ولم يترأف بها. أبعدت مقلتيها عنه وهما تلمعان بالدموع. لم يعد هناك فائدة من البكاء والتحسر على الحال عليها فقط أن تبذل ما في وسعها للتخلص منه بأقل الخسائر الممكنة.
لاذت بالصمت غالبية الوقت وتحركت كإنسان آلي ليوجهها حتى استقل كلاهما السيارة للعودة إلى منزله إلى حد كبير فاق ما كانت تتخيله كانت موقنة أنه ثري لكن ليس بمثل هذه الدرجة فقد كان بيته المتواضع كما يسميه أشبه بفيلا صغيرة مستأجرة لها حديقتها الخاصة ومحاطة بأسوار عالية مفروشة بالجديد والفاخر من الأثاث ومملوءة بالكثير من التحف والأنتيكات. أحست بانقباض صدرها وهي تطأ البهو بقدميها بهجة العروس الفرحة ببيتها كانت مفقودة هي جاءت إلى هنا تنفيذا لرغبته لا عن طواعية منها. لم تنظر تجاهه وهو يخاطبها بأسلوبه الجاف المستعرض لثرائه الفاحش
البيت زي ما إنتي شايفة مليان أوض كتير نقي واحدة فيهم وخليها ليكي.
همت بالتحرك بحثا عن غرفة ملائمة وبعيدة عنه كل البعد لكنه استوقفها بقوله الفج والموحي بما أشعرها بالاحتقار
ووقت لما أعوزك هتيجي عندي.
استنفرت حواسها واستدارت تحدجه بنظرة عدائية وهي تخبره باسمة باستهجان
طب ما تطلقني أسهل حتى علشان تاخد راحتك في بيتك أكتر بدل ما أبقى ضيفة تقيلة عليك.
دنا منها قائلا بتسلية
لما يجيلي مزاج!
إنت دورك هنا ما يزدش عن كونك واحدة بتلبي طلباتي وبس.
نظرت له شزرا قبل أن تهتف في تحفز
قول إنك متجوز خدامة.
احتضن ذقنها بيده وقال في نبرة معاتبة هازئة منها
إنت أرقى من كده يا دكتورة.
أحست بأصابعه تشتد على فكها كما لو كان يعتصره ارتجف قلبها عندما همس
كزت على أسنانها مدمدمة بلا صوت
حقېر.
داعب بإبهامه وجنتها متكلما
وعشان تعرفي إني مديكي قيمتك هرجعك تاني معايا المستشفى.
أحست أن جملته منقوصة فنظرته الغريبة إليها أكدت ذلك الهاجس المريب فتابع بما فاجأها
بس انسي موضوع البعثة!
استطال وجهها في صدمة جلية وهتفت محتجة على الأخير وكأنه سلب الشيء الوحيد الخاص بها
أنساه إزاي ده مستقبلي!
مجددا اشتدت قبضته على فكها فتألمت من قساوته قرب وجهها منه ونظر إليه بنظرة متملكة نفذت إليها مرددا بتسلط
ما يلزمنيش طالما إنتي معايا.
رغم الألم الذي ينتشر في فكها خاطبته پخوف
إنت كده بتخسرني أهم حاجة اتغربت بسببها.
لم يكن مكترثا بذلك وعلق باسما
قصادي مافيش حاجة تسوى.
حدجته بنظرة ڼارية مشټعلة على الأخير ارتخت أصابعه قليلا عن فكها وهو يستأنف كلامه
شرف ليكي إنك تبقي مراتي.
ما لبث أن غلف صوته الټهديد وهو يخبرها في أذنها
وأحسنلك ما تزعلنيش بدل ما أخسرك كل حاجة!
سلام يا .. دكتورة.
كلمته الأخيرة كانت أقرب إلى إهانة عنها إلى تقدير بصقت خلفه بعدما انصرف وهسهست بكره آخذ في الازدياد
ربنا يريحني منك.
الخۏف من خسارة ما كابدت لتحقيقه مرة واحدة جعلها تبدو أكثر اضطرابا وتخبطا فكل شيء بات على وشك الضياع ما لم تحسب حسبتها جيدا.
لم يعتد طوال حياته على مخالفة مبادئه ولا حتى على إسكات صوت ضميره اليقظ مهما اشتدت الصعاب وتعقدت لأجل
إرضاء أهواء الآخرين دوما كان يفعل ما يؤمن به وما في الخير لغيره لهذا رغم ټهديد والدته الصريح رفض الانصياع لرغبتها وأكمل في الطريق الذي اختاره لنفسه. التزم بالحضور في الموعد المتفق عليه في بيت عائلة فردوس التقى بأمها وخالتها في الصالة فسألته الأخيرة بتحفز بائن في نبرتها قبل نظرتها إليه
نويت على إيه يا عوض
أجابها بصوت ثابت بعد لحظات من السكوت
كتب الكتاب والډخلة هيكونوا سوا وهنعمل حاجة على الضيق وبعدها نطلع على البيت عندي.
تهللت أسارير أفكار وتبادلت مع شقيقتها نظرة سعيدة للغاية ثم صاحت في حماس وكأن روحها عادت إلى جسدها
على خيرة الله أهي دي البشاير ولا بلاش.
وجهت بعدئذ كلامها إلى فردوس التي جاءت حاملة صينية القهوة في يديها فهتفت في مرح ضاحك
زغردي يا دوسة وكيدي الأعادي...
ارتفع صوت ضحكتها على النقيض مع عبوس ابنة شقيقتها استأنفت بعدئذ جملتها المبتهجة فاستطرد وهي تشير بيدها
ولا أقولك شيلي القهوة دي